الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم عيد ميلاد ليلى للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: تمرين يومي على العيش في فلسطين

نشر في  03 نوفمبر 2023  (20:59)

بقلم شادية خذير

 إعتقد العالم  أنه و منذ إعلانه في العاشر من ديسمبر تاريخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  قفل ملف المجازر الوحشية والعنصرية وأنه سيبدأ عهدا سعيدا من العدالة المبنية على أساس منظومة كونية لحقوق الإنسان. كانت تلك حاجة ملحة فرضتها حربان أتت على الأخضر اليابس وكبدت البشرية خسائر لا تحصى ولا تعد.

عادت بي الذاكرة الى فيلم رشيد مشهراوي "عيد ميلاد ليلى" وانا اتابع مختلف المجازر اليومية وحمامات الدم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين منذ طوفان الأقصى  على مسمع ومرأى من عالم دون محرمات فلم تسلم المستشفيات ولا سيارات الإسعاف الحاملة للجرحى ولا الأبراج السكنية ولا المعابر.. ورغم ان الفيلم يقدم اختزالا مكثفا عن معاناة الفلسطينيين في نسخة شبه خالية من الدماء والعنف الا أن أوجه التقاطع قائمة بل وتهد لما يحصل اليوم. 

الحرب على غزة تلك المساحة الصغيرة التي يعيش داخلها قرابة المليوني ساكن تعيش حتى قبل القصف معاناة وصعوبات تجعل الحياة صعبة.. حياة الفلسطينيين ومنذ رتب الاحتلال أمره مع الأرض والسكان تحولت الى أشبه بلعبة مد وجزر أو إلى تمرين يومي يحتكم إلى سؤال واحد لا يخلو من التحدي أرني كيف يمكن أن تذوق طعم الحياة  وسط هذه التضييقات. 

 

 هو تقريبا نفس المدار الذي يتحرك داخله فيلم عيد ميلاد ليلى للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي خرج للقاعات سنة 2008 الفيلم إنتاج تونسي فلسطيني هولندي وفيه تحية لروح المنتج التونسي أحمد بهاء الدين عطية أي 12 سنة بعد وفاته.

الفيلم سيناريو وإخراج رشيد مشهراوي  كان ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية لأيام قرطاج السينمائية تنافس في تلك السنة مع فيلم جنينة الأسماك ليسري نصر الله ولولا لنبيل عيوش وملكة المياه لساليف تراوري من مالي وفيلم تيزا الأثيوبي الذي عاد بالتانيت الذهبي فيما أحرز عيد ميلاد ليلى التانيت الفضي وجائزة أفضل ممثل تحصل عليها محمد بكري .

محمد البكري أو أبو ليلى قاض عاد من المهجر وبقي ينتظر إلحاقه بوزارة العدل إلحاق يبدو أن أمده قد طال  مما إظطره للعمل سائقا لتاكسي فردي بفلسطين، أول لقطات الفيلم تضعنا داخل منزل أسرة ... صورة ليلى ثم الأم والأب وبعدها نفهم  من الحوارأن هناك حدثا هاما تستعد له العائلة بل ستعدل عليه يومها وهو عيد ميلاد ليلى البنت الوحيدة  بنت السبع سنوات

يبدومحمد البكري بلباسه الرسمي وبحرصه على الحصول على جميع أوراق تامين  سيارة التاكسي جديا أكثر من اللازم لنفهم بعد ذلك أنه قاض محتكم للقانون في كل تفاصيل حياته.

يوم من أيام سائق التاكسي يصور المخرج رحلة العذاب مع واقع كل مافيه يدعو للاستسلام عقبات وصعوبات تجعل من العيش في فلسطين أمرا صعبا يكاد لا يصدق بسبب كثرة الصعوبات والضغط والمفاجآت المتتالية لشخصيات الفيلم .

نتعرف على يوميات عذاب الفلسطينيين من خلال الشخصيات التي تؤجر تاكسي ابي ليلى من تلك المرأة التي تتنقل بين المستشفى والمقبرة ولا فرق لديها بينهما فهما محطتان أساسيتان في حياة الفلسطيني ومن ذلك الميكانيكي الذي يستعمل سيارة التاكسي المعدة للإصلاح ليحمل بها جريحا أصيب بقذيفة ثم يطلب من ابي ليلى إيصال قريبة المستشهد لمنزلها.

 

الرحلة تلقي بنا في دائرة مغلقة من المطبات يعيشها ابو ليلى على مدار اليوم فتضعه في طريق مواطنين فلسطينيين بعضهم يريدون الالتحاق بالمعبر لأداء صلاة القديس وآخرون يرفض السائق حملهم لأنهم يحملون السلاح مرورا بمن قضى أكثر من ثمان سنوات في السجن وآخرون وآخرون وجوه وحكايات وقصص لمواطنين فلسطينيين مشغولون بمغالبة الصعوبات التي يعيشونها مهتمون بالتعايش مع واقع يثقل حياتهم ويجعلها شبه مستحيلة كالانفجار الي يحدث بالقرب من الميكانيكي أو جنازة احد المستشهدين تغلق الطريق أو حفل عرس يوقف حركة المرور وكان الأحداث تأبى أن تتوقف لتعطي لهؤلاء برهة للتنفس.

لقد طبع الفلسطينيون مع التعب اليومي الاحتلال يخنقهم في ادق تفاصيل حياتهم ولكنه لم يتمكن من تنغيصها على ما يبدو.

الروابط المقدسة

شيئ ما يحدث وسط كل هذا الوجع .. ينتصر المخرج للروابط المقدسة إنها العائلة والأسرة الموسعة ملاذ الفلسطينيين من كل هذا الجحيم ومرهم يداوي جروح الظلم والقهر التي يعيشونها يوميا وحتى عيد الميلاد الذي اجتمعت كل الظروف لنسفه والذي كدنا نحن المتفرجون أن نفقد الأمل في حدوثه أخيرا أصبح ممكنا بل وأكثر من ذلك  تشاء الأقدار أن تناول أبو ليلى نجوما من السماء تشعل عيد الميلاد السابع إنها الأقدار وهو خيط الأمل الوحيد الذي تمسك به رشيد مشهرواوي بعد أن تناثرت حبات ذلك العقد المرتب من يوم غير عادي. 

جولة في الأحياء لفيلم قد يصنف ضمن الroad movie  ولكنه موظف لاكتشاف البلد الذي اغتصبه الاحتلال وشوه وجهه وأثقل كاهل أهله بالعقبات والحواجز ونقاط التفتيش الجولة أيضا تكشف لنا أيضا  وجوها متعبة شاحبة تعاني ألم السجن والمرض وقلة الحيلة.

غضب من المخرج نستشفه من  حاملي السلاح من المدنيين ومن سلطة تتفنن في  المماطلة والبيروقراطية، غضب من الفوضى ومن سلوك المترجلين السائرين فوق الطريق ومن مستعملي السيارات، غضب وحالة من الانتفاض والانفجار يضعها رشيد مشهراوي  في ابي ليلى لتخرج الكلمات صادقة صريحة عالية في مشهد يعتبر ذروة أحداث الفيلم.

يعود أبو ليلى للبيت بعد أن يمر من أمام محل يحمل يافطة love home  ويخبر زوجته بأن يومه كان عاديا وكفى والحال   أنه  يوم غير عادي  يختزل حياة الفلسطينيين كل يوم  وهم محاصرون  من كل الجهات .. في مشهد يتكرر حتى التطبيع مع الوجع والتعب.

"نحن  نموت  كل يوم " ذلك ما جاء على لسان  أحد سكان غزة في  لمراسلي إحدى القنوات مضيفا "كثير منا قتلوا ومن بقي  على قيد الحياة سيموت كمدا".